الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
وفرقة اللعان فسخ وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: هي طلاق لأنها فرقة من جهة الزوج, تختص النكاح فكانت طلاقا كالفرقة بقوله: أنت طالق ولنا أنها فرقة توجب تحريما مؤبدا, فكانت فسخا كفرقة الرضاع ولأن اللعان ليس بصريح في الطلاق, ولا نوى به الطلاق فلم يكن طلاقا كسائر ما ينفسخ به النكاح, ولأنه لو كان طلاقا لوقع بلعان الزوج دون لعان المرأة. وذكر بعض أهل العلم أن الفرقة إنما حصلت باللعان لأن لعنة الله وغضبه قد وقع بأحدهما لتلاعنهما, فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عند الخامسة: (إنها الموجبة) أي إنها توجب لعنة الله وغضبه ولا نعلم من هو منهما يقينا ففرقنا بينهما خشية أن يكون هو الملعون, فيعلو امرأة غير ملعونة وهذا لا يجوز كما لا يجوز أن يعلو المسلمة كافر, ويمكن أن يقال على هذا: لو كان هذا الاحتمال مانعا من دوام نكاحهما لمنعه من نكاح غيرها فإن هذا الاحتمال متحقق فيه ويحتمل أن يكون الموجب للفرقة وقوع اللعنة والغضب بأحدهما غير معين, فيفضي إلى علو ملعون لغير ملعونة أو إلى إمساكه لملعونة مغضوب عليها ويحتمل أن سبب الفرقة النفرة الحاصلة من إساءة كل واحد منهما إلى صاحبه فإن الرجل إن كان صادقا, فقد أشاع فاحشتها وفضحها على رءوس الأشهاد وأقامها مقام خزي, وحقق عليها اللعنة والغضب وقطع نسب ولدها وإن كان كاذبا, فقد أضاف إلى ذلك بهتها وقذفها بهذه الفرية العظيمة والمرأة إن كانت صادقة فقد أكذبته على رءوس الأشهاد, وأوجبت عليه لعنة الله وإن كانت كاذبة فقد أفسدت فراشه, وخانته في نفسها وألزمته العار والفضيحة وأحوجته إلى هذا المقام المخزي, فحصل لكل واحد منهما نفرة من صاحبه لما حصل إليه من إساءة لا يكاد يلتئم لهما معها حال فاقتضت حكمة الشارع انحتام الفرقة بينهما, وإزالة الصحبة المتمحضة مفسدة ولأنه إن كان كاذبا عليها فلا ينبغي أن يسلط على إمساكها, مع ما صنع من القبيح إليها وإن كان صادقا فلا ينبغي أن يمسكها مع علمه بحالها, ولهذا قال العجلاني: كذبت عليها إن أمسكتها. أنها تحرم عليه باللعان تحريما مؤبدا فلا تحل له, وإن أكذب نفسه في ظاهر المذهب ولا خلاف بين أهل العلم في أنه إذا لم يكذب نفسه لا تحل له, إلا أن يكون قولا شاذا وأما إذا أكذب نفسه فالذي رواه الجماعة عن أحمد, أنها لا تحل له أيضا وجاءت الأخبار عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود رضي الله عنهم, أن المتلاعنين لا يجتمعان أبدا وبه قال الحسن وعطاء وجابر بن زيد, والنخعي والزهري والحكم, ومالك والثوري والأوزاعي, والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور, وأبو يوسف وعن أحمد رواية أخرى: إن أكذب نفسه حلت له وعاد فراشه بحاله وهي رواية شاذة شذ بها حنبل عن أصحابه قال أبو بكر: لا نعلم أحدا رواها غيره وينبغي أن تحمل هذه الرواية على ما إذا لم يفرق بينهما الحاكم, فأما مع تفريق الحاكم بينهما فلا وجه لبقاء النكاح بحاله وقد ذكرنا أن مذهب البتي, أن اللعان لا يتعلق به فرقة وعن سعيد بن المسيب: إن أكذب نفسه فهو خاطب من الخطاب وبه قال أبو حنيفة, ومحمد بن الحسن لأن فرقة اللعان عندهما طلاق وقال سعيد بن جبير: إن أكذب نفسه ردت إليه ما دامت في العدة ولنا ما روى سهل بن سعد قال: مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما, ثم لا يجتمعان أبدا رواه الجوزجاني في كتابه بإسناده وروي مثل هذا عن الزهري ومالك ولأنه تحريم لا يرتفع قبل الحد والتكذيب, فلم يرتفع بهما كتحريم الرضاع. فإن كانت أمة فاشتراها ملاعنها, لم تحل له لأن تحريمها تحريم مؤبد فحرمت به على مشتريها كالرضاع, ولأن المطلق ثلاثا إذا اشترى مطلقته لا تحل له قبل زوج وإصابة فهاهنا أولى لأن هذا التحريم مؤبد, وتحريم الطلاق ليس بمؤبد ولأن تحريم الطلاق يختص النكاح وهذا لا يختص به وهذا مذهب الشافعي. قال: [فإن أكذب نفسه, فلها عليه الحد] وجملة ذلك أن الرجل إذا قذف امرأته ثم أكذب نفسه فلها عليه الحد, سواء أكذبها قبل لعانها أو بعده وهذا قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي, ولا نعلم لهم مخالفا وذلك لأن اللعان أقيم مقام البينة في حق الزوج فإذا أكذب نفسه بان أن لعانها كذب وزيادة في هتكها, وتكرار لقذفها فلا أقل من أن يجب الحد الذي كان واجبا بالقذف المجرد فإن عاد عن إكذاب نفسه وقال: لي بينة أقيمها بزناها أو أراد إسقاط الحد عنه باللعان, لم يسمع منه لأن البينة واللعان لتحقيق ما قاله وقد أقر بكذب نفسه فلا يسمع منه خلافه, وهذا فيما إذا كانت المقذوفة محصنة فإن كانت غير محصنة فعليه التعزير. ويلحقه نسب الولد, سواء كان الولد حيا أو ميتا غنيا كان أو فقيرا وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وقال الثوري: إذا استلحق الولد الميت نظرنا فإن كان ذا مال, لم يلحقه لأنه إنما يدعي مالا وإن لم يكن ذا مال لحقه وقال أصحاب الرأي: إن كان الولد الميت ترك ولدا, ثبت نسبه من المستلحق وتبعه نسب ابنه وإن لم يكن ترك ولدا, لم يصح استلحاقه ولم يثبت نسبه ولا يرث منه المدعي شيئا لأن نسبه منقطع بالموت, فلم يصح استلحاقه فإذا كان له ولد كان مستلحقا لولده وتبعه نسب الميت ولنا أن هذا ولد نفاه باللعان, فكان له استلحاقه كما لو كان حيا أو كان له ولد, ولأن ولد الولد يتبع نسب الولد وقد جعل أبو حنيفة نسب الولد تابعا لنسب ابنه فجعل الأصل تابعا للفرع, وذلك باطل فأما قول الثوري: إنه إنما يدعي مالا قلنا: إنما يدعي النسب والميراث والمال تبع له فإن قيل: فهو متهم في أن غرضه حصول الميراث قلنا: إن النسب لا تمنع التهمة لحوقه بدليل أنه لو كان له أخ يعاديه, فأقر بابن لزمه وسقط ميراث أخيه, ولو كان الابن حيا وهو غني والأب فقير فاستلحقه, فهو متهم في إيجاب نفقته على ابنه ويقبل قوله فكذلك ها هنا, ثم كان ينبغي أن يثبت النسب ها هنا لأنه حق للولد ولا تهمة فيه ولا يثبت الميراث المختص بالتهمة, ولا يلزم من انقطاع التبع انقطاع الأصل قال القاضي: ويتعلق باللعان أربعة أحكام: حقان عليه وجوب الحد ولحوق النسب وحقان له: الفرقة, والتحريم المؤبد فإذا أكذب نفسه قبل قوله فيما عليه, فلزمه الحد والنسب ولم يقبل فيما له فلم تزل الفرقة, ولا التحريم المؤبد. فإن لم يكذب نفسه ولكن لم يكن له بينة ولا لاعن, أقيم عليه الحد فإن أقيم عليه بعضه فبذل اللعان وقال: أنا ألاعن قبل منه لأن اللعان يسقط جميع الحد, فيسقط بعضه كالبينة فإن ادعت زوجته أنه قذفها بالزنا فأنكر, فأقامت عليه بينة أنه قذفها بالزنا فقال: صدقت البينة وليس ذلك قذفا لأن القذف الرمي بالزنا كذبا, وأنا صادق فيما رميتها به لم يكن ذلك إكذابا لنفسه لأنه مصر على رميها بالزنا وله إسقاط الحد باللعان ومذهب الشافعي في هذا الفصل كمذهبنا فإن قال: ما زنت ولا رميتها بالزنا فقامت البينة عليه بقذفها, لزمه الحد ولم تسمع بينته ولا لعانه نص عليه أحمد لأن قوله: ما زنت تكذيب للبينة واللعان فلا تثبت له حجة قد أكذبها وجرى هذا مجرى قوله في الوديعة إذا ادعيت عليه, فقال: ما أودعتني فقامت: عليه البينة الوديعة فادعى الرد أو التلف لم يقبل ولو أجاب بأنه ما له عندي شيء ولا يستحق علي شيئا فقامت عليه البينة فادعى الرد أو التلف, قبل منه.
|